المجد لـ«زيدان».. والموت لـ«خالد» بـ .. المجان !!

المجد لـ«زيدان».. والموت لـ«خالد» بـ .. المجان !!







لم أكتب عن موضوع الشاب «خالد سعيد» فيما سبق رغم اشتعال الحديث عن مأساته على مدار الأيام الماضية. والسبب فى ذلك أننى كنت أشعر بغصة فى قلبى كلما نظرت إلى صورته بعد أن سحقته يد القسوة والعنف الشرطى ضد المواطنين «الغلابة»، ولكن حدث جديد استفزنى للكتابة حول هذا الموضوع تمثل فى توقيف «محمد زيدان»، لاعب المنتخب القومى المصرى، قبل سفره إلى ألمانيا لإلزامه بالانخراط فى سلك الجندية وتأدية الخدمة العسكرية.

ويلعب زيدان محتــرفاً بفريق «بروسيا دورتموند». وعقب توقيفه بالمطار أدلى اللاعب بحديث إلى صحيفة «بيلد» الألمانية الشهيرة شرح فيه موقفه للجمهور الألمانى وخطورة أن يجازف بالهرب إلى ألمانيا لأن ذلك قد يعرضه للسجن أو لعدم العودة إلى مصر!.

ويبلغ نجم الكرة من العمر ما يزيد على ٢٧ عاماً، وقد نشرت الصحف أن مدة التجنيد المستحقة عليه هى ثلاث سنوات!، وأنه تأخر فى أداء الواجب الوطنى حتى هذا العمر بسبب أنه العائل الوحيد لأسرتــه، وليس بسبب انشغاله بأداء واجبه الكروى المقدس طبعاً!. وبعد أن أنهى شقيقه دراسته اختلف الأمر وأصبح مطلوباً!، لكن مسؤولاً قال له إنه يتفهم وضعه وهـو على العكس تماماً من موقف المخبر وأمين الشرطة اللذين تسببا فى قتل المسكين خالد سعيد، وكان من ضمن التهم التى كالها مسؤولو الداخلية له التهرب من الخدمة العسكرية!.

كانت النتيجة بالنسبة للشاب «خالد» غير النتيجة بالنسبة للشاب «زيدان» رغم أن كليهما مصرى، ويقترب كل منهما من الآخر فى العمر، كما أنهما من أبناء مدن مصر الساحلية، فإذا كان زيدان من بورسعيد فإن خالد من الإسكندرية. الفارق الوحيد بين الاثنين أن زيدان يجيد اللعب بالكرة التى منحته المال والنجومية والقدرة على التنصل من أداء الواجبات الوطنية، والثانى كان يجيد طرقعة «الكيبورد» والدخول إلى عوالم الكمبيوتر. وفارق آخر بين الاثنين هو أن «خالد» شاب يعيش بلا كرامة وليس من حقه – مثله مثل ملايين الشباب – أن ينزعج عندما يأتيه مخبر وأمين شرطة لتأديبه وجره وسحله فى الشارع لأنه يريد نشر فيديو على الإنترنت يسىء إلى باشوات القسم، أما زيدان فله الكرامة كلها!.

لقد أكد السيد جمال مبارك ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها فى قضية «خالد سعيد»، ونحن نضم صوتنا لصوته ونتمني ذلك فعلا!. وألا نحتاج إلى أن تنزعج واشنطن وتتدخل السفارة الأمريكية فى مصر فى كل قضية حقوقية حتى يبادر كبارنا إلى الحديث عن تطبيق العدالة فى قضية واضحة مثل الشمس؟ ونتمني ان يكون هذا التصريح يعنى إيقاف مسلسل امتهان كرامة الإنسان فى مصر وإهدار حقوقه؟ وان يستقيم الحديث عن العدالة مع حكم الطوارئ؟
ولكى أكون منصفاً فإن التمييز هنا لا يرتبط بالسلطة السياسية وفقط، بل يرتبط بهذا الشعب الذى يقدس أبناؤه النجوم ويصفحون عن أخطائهم ويحلون لهم مشاكلهم، فى الوقت الذى يتساهلون فيه فى إهدار حقوق أصحاب الحقوق من الضعفاء الذين يعانون مثلهم من مطرقة الظلم التى تسحق رؤوسهم. الناس تدفع من جيوبها ومن أعصابها ومن وقتها (إن كانت ترى أن لوقتها قيمة) من أجل صناعة نجومية لاعبى الكرة وكواكب الفن.

مات خالد سعيد لأن المجموع أراد له أن يموت، حين قرر أن يمر تمديد قانون الطوارئ لأنه مشغول بنجوم الكرة ومعرفة من سيفوز بالدورى ومن سوف ينعم بالكأس. مات خالد سعيد حين قرر الملايين النزول إلى الشارع احتفالاً بالفوز على الجزائر ليهتفوا لمحمد زيدان لإحرازه هدفاً فى المباراة، فى حين مكثوا فى بيوتهم بعد أن قُتل الشاب «خالد» فى الشارع، ولم يهتموا بالبحث عن الحقيقة المفسرة لمصرعه بهذه الطريقة البشعة. والسلطة – من جانبها - راضية عن هذا الوضع أشد الرضاء لأنه يبرر لها سحق من يريد كشف زيفها. وسوف يكون الناس فى منتهى السعادة إذا تدخل السيد جمال مبارك لكى يحل مشكلة تجنيد لاعب الكرة «محمد زيدان» كما تدخل فى موضوع مقتل الشاب خالد سعيد ووعدنا فيه بالعدالة.

وربما يوجه له الملايين الشكر الحار إذا توصل إلى حل لا يحرم فريق «بروسيا دورتموند» من فنه ومن جهوده كى يواصل مسيرته الناجحة مع منتخب الساجدين. لقد كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «لعن الله قوماً إذا سرق فيهم الشريف تركوه.. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، وكان يقول أيضاً: «لعن الله قوماً ضاع الحق بينهم». فى ظل هذه المبادئ فقط يمكن أن يسود العدل، وفى غيابها يصبح المجد لـ«زيدان» والموت لخالد سعيد بـ«المجان»!.

د. محمود خليل